برزت خلال السنوات الأخيرة في العالم و بالأخص في الدول النامية بعض المؤشرات الإيجابية في المجال الاقتصادي، ومن أهمها سياسات الإصلاح الهيکلية، حيث أفرزت حرکة الإصلاحات الاقتصادية التي اعتمدت في العديد من الدول نسقا جديدا للتفکير و التخطيط على جميع الأصعدة السياسية، الاجتماعية و الاقتصادية، الشيء الذي سمح لبعض الدول بالتغلب على مشاکلها الاقتصادية، حيث کانت هذه الإصلاحات شامــلة و سريعة في دول شرق أوربا و جنوب شرق آسيا، بينما کانت تدريجية في دول أخرى، منها الجزائر...
قامت الجزائر منذ بداية الثمانينات بجهود مکثفة لإعادة هيکلة المؤسسات العمومية الاقتصادية من خلال تطبيق برامج متفاوتة الشمولية من أجل إزالة التشوهات الهيکلية التي لازمتها جل دورات حياتها، غير أن النتائج التي حققتها هذه المؤسسات الاقتصادية العمومية لم تجسد تطلعات الاقتصاد الجـزائري، و بذلک ظهرت البوادر الأولى لتحول الجزائر نحو الاقتصاد الحر القائم على ثلث محاور أساسية:
1- إجراءات و سياسات التحرير الاقتصادي، من خلال تحرير التجارة الخارجية، إلغاء القــــيود و تشجيع ممارسة القطاع الخاص للنشاط الاقتصادي.
2- الإجراءات الهادفة إلى تشجيع الاستثمارات الخاصة، من خلال التشريعات المنظمة للاستثمار.
3- الانتقال إلى اقتصاد السوق بدءا بمشارکة القطاع الخاص في ملکية المؤسسات الاقتصادية العمومية.
و بذلک أصبحت مشارکة القطاع الخاص، من خلال الخوصصة، من أهم مسارات الإصلاحات الاقتصادية في الجزائر لما لهذا القطاع من دور في تحقيق النمو الاقتصادي، و القدرة على المخـــاطرة و الرشاد في اتخاذ القرارات الاقتصادية و تخصيص الموارد، و هو ما تحتاجه فعلا المؤسسة الاقتصادية العمومية لتحقيق القدرة التنافسية التي تضمن لها الاستمرار.
و لتجسيد هذا المســـار شرع في تحضير الأرضية، بإعداد و توفير الوسائل و الأدوات التي تسمح بالتحــکم و بضمان نجاح سياسة الخوصصة، فظهرت القوانين و التشريعات التي تنظم و تراقب إجراءات الخوصصة بدءا بقانون عام 1995، و بالموازاة مع ذلک تم الشروع في تهيئة المناخ الاقتصادي المرتبط بهذه الإجراءات (التدابير الجمرکية، التشريعات الجبائية، الممارسات البنکية..).
و لکن..، و بعد حوالي عشرية من البرامج و الإجراءات و التصحيحات نجد ومن خلال مختلف التقارير المحلية (المجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي) و الدولية (صندوق النقد و البنک العالمي) أن مسار الخوصصة في الجزائر بطيء جدا و لا يخدم السياسات الاقتصادية المنتهجة بل و يزيدها تراجــعا و تعقيدا.